فصل: الفصل الثالث والخمسون في أمر الفاطمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الفصل الثالث والخمسون في أمر الفاطمي:

.القسم الأول: أمر الفاطمي وما يذهب إليه الناس في شأنه وكشف الغطاء عن ذلك:

اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ويستولي على الممالك الإسلامية ويسمى بالمهدي ويكون خروج الدجال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره وأن عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله ويأتم بالمهدي في صلاته ويحتجون في الشأن بأحاديث خرجها الأمة وتكلم فيها المنكرون لذلك وربما عارضوها ببعض الأخبار وللمتصوفة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقة أخرى ونوع من الاستدلال وربما يعتمدون في ذلك على الكشف الذي هو أصل طرائقهم ونحن الآن نذكر هنا الأحاديث الواردة في هذا الشأن وما للمنكرين فيها من المطاعن وما لهم في إنكارهم من المستند ثم نتبعه بذكر كلام المتصوفة ورأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلك إن شاء الله تعالى فنقول إن جماعة من الأمة خرجوا أحاديث المهدي منهم الترمذي وأبو داود والبزاز وابن ماجة والحاكم والطبراني وأبو يعلى الموصلي وأسندوها إلى جماعة من الصحابة مثل علي وابن عباس وابن عمر وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأنس وأبي سعيد الخدري وأم حبيبة وأم سلمة وثوبان وقرة بن إياس وعلي الهلالي وعبد الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربما يعرض لها المنكرون كما نذكره إلا أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم على التعديل فإذا وجدنا طعنا في بعض رجال الأسانيد بغفلة أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلى صحة الحديث وأوهن منها ولا تقولن مثل ذلك ربما يتطرق إلى رجال الصحيحين فإن الإجماع قد اتصل في الأمة على تلقيهما بالقول والعمل بما فيهما وفي الإجماع أعظم حماية وأحسن دفعا وليس غير الصحيحين بمثابتهما في ذلك فقد تجد مجالا للكلام في أسانيدها بما نقل عن أمة الحديث في ذلك.
ولقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه في جمعه للأحاديث الواردة في المهدي فقال ومن أغربها إسنادا ما ذكره أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار مستندا إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب» وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما أحسب وحسبك هذا غلوا والله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنس على أن أبا بكر الإسكاف عندهم متهم وضاع.
وأما الترمذي فخرج هو وأبو داود بسند هما إلى ابن عباس من طريق عاصم بن أبي النجود أحد القراء السبعة إلى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي» هذا لفظ أبي داود وسكت عليه وقال في رسالته المشهورة إن ما سكت عليه في كتابه فهو صالح ولفظ الترمذي «لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي» وفي لفظ آخر «حتى يلي رجل من أهل بيتي» وكلاهما حديثا حسن صحيح ورواه أيضا من طريق موقوفا على أبي هريرة وقال الحاكم رواه الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم قال: وطرق عاصم عن زر عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته من الاحتجاج بأخبار عاصم إذ هو إمام من أئمة المسلمين انتهى إلا أن عاصما قال فيه أحمد بن حنبل: كان رجلا صالحا قارئا للقرآن خيرا ثقة والأعمش أحفظ منه وكان شعبة يختار الأعمش عليه في تثبيت الحديث وقال العجلي كان يختلف عليه في زر وأبي وائل يشير بذلك إلى ضعف روايته عنهما وقال محمد بن سعد كان ثقة إلا أنه كثير الخطأ في حديثه وقال يعقوب بن سفيان في حديثه اضطراب وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم قلت لأبي أن أبا زرعة يقول عاصم ثقة فقال ليس محله هذا وقد تكلم فيه ابن علية فقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ وقال أبو حاتم محله عندي محل الصدق صالح الحديث ولم يكن بذلك الحافظ واختلف فيه قول النسائي وقال ابن حراش في حديثه نكرة وقال أبو جعفر العقيلي لم يكن فيه إلا سوء الحفظ وقال الدارقطني في حفظه شيء وقال يحيى القطان ما وجدت رجلا اسمه عاصم إلا وجدته سيء الحفظ وقال أيضا سمعت شعبة يقول حدثنا عاصم بن أبي النجود وفي الناس ما فيها وقال الذهبي ثبت في القراءة وهو حسن الحديث وإن حتج أحد بأن الشيخين أخرجا له منقول أخرجا له مقرونا بغيره لا أصلا والله أعلم.
وخرج أبو داود في الباب عن علي رضي الله عنه من رواية قطن بن خليفة عن لقاسم بن أبي مرة عن أبي الطفيل عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملأها عدلا كما ملئت جورا» وقطن بن خليفة وإن وثقه أحمد ويحيى بن القطان وابن معين والنسائي وغيرهم إلا أن العجلي قال: حسن الحديث وفيه تشيع قليل وقال ابن معين مرة: ثقة شيعي وقال أحمد بن عبد الله بن يونس: كنا نمر على قطن وهو مطروح لا نكتب عنه وقال مرة: كنت أمر به وأدعه مثل الكلب وقال الدارقطني: لا يحتج به وقال أبو بكر بن عياش: ما تركت الرواية عنه إلا لسوء مذهبه وقال الجرجاني: زائغ غير ثقة انتهى وخرج أبو داود أيضا بسنده إلى علي رضي الله عنه عن مروان بن المغيرة عن عمر بن أبي قيس عن شعيب بن أبي خالد عن أبي إسحاق النسفي قال: قال علي ونظر إلى ابنه الحسن إن ابني هذا سيد كما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيخرج من صلبه رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق يملأ الأرض عدلا وقال هارون حدثنا عمر بن أبي قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسن عن هلال بن عمر سمعت عليا يقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته» سكت أبو داود عليه وقال في موضع آخر في هارون: هو من ولد الشيعة وقال السليماني: فيه نظر وقال أبو داود في عمر بن أبي قيس: لا بأس في حديثه خطأ وقال الذهبي: صدق له أوهام وأما أبو إسحاق الشيعي وإن خرج عنه في الصحيحين فقد ثبت أنه اختلط آخر عمره وروايته عن علي منقطعة وكذلك رواية أبي داود عن هارون بن المغيرة وأما السند الثاني فأبو الحسن فيه وهلال بن عمر مجهولان ولم يعرف أبو الحسن إلا من رواية مطرف بن طريف عنه انتهى وخرج أبو داود أيضا عن أم سلمة قالت سمعت في المستدرك من طريق علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المهدي من ولد فاطمة» ولفظ الحاكم: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر المهدي فقال: «نعم هو حق وهو من بني فاطمة» ولم يتكلم عليه بالصحيح ولا غيره وقد ضعفه أبو جعفر العقيلي وقال: لا يتابع علي بن نفيل عليه ولا عرف إلا به وخرج أبو داود أيضا عن أم سلمة من رواية صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة قال: يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربا إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام فيبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثا فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم ويلقي الإسلام بجرانه على الأرض فيلبث سبع سنين وقال بعضهم تسع سنين ثم رواه أبو داود من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سلمة فتبين بذلك المبهم في الإسناد الأول ورجاله رجال الصحيحين لا مطعن فيهم ولا مغمز وقد يقال إنه من رواية قتادة عن أبي الخليل وقتادة مدلس وقد عنعنه والمدلس لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع مع أن الحديث ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره أبو داود في أبوابه وخرج أبو داود أيضا وتابعه الحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهدي مني أجلى الجبهة اقنى الأنف يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا يملك سبع سنين» هذا لفظ أبي داود وسكت عليه ولفظ الحاكم: «المهدي منا أهل البيت أشم الأنف أقنى أجلى يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعيش هكذا ويبسط يساره وإصبعين من يمينه السبابة والإبهام وعقد ثلاث» قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وعمران القطان مختلف في الاحتجاج يه إنما أخرج له البخاري استشهادا لا أصلا وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال يحيى بن معين: ليس بالقوي وقال مرة: ليس بشيء وقال أحمد بن حنبل أرجو أن يكون صالح الحديث وقال يزيد بن زريع كان حروريا وكان يرى السيف على أهل القبلة وقال النسائي ضعيف وقال أبو عبيد الآجري: سألت أبا داود عنه فقال: من أصحاب الحسن وما سمعت إلا خيرا وسمعته مرة أخرى ذكره فقال: ضعيف أفتى في إبراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى شديدة فيها سفك الدماء.
وخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم عن أبي سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن أبي صديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: خشينا أن يكون بعض شيء حدث فسألنا نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: «إن في أمتي المهدي يخرج ويعيش خمسا أو سبعا أو تسعا-زيد الشاك- قال قلنا: وما ذاك؟ قال سنين! قال: فيجيء إليه الرجل فيقول: يا مهدي أعطني قال: فيحثو له في ثوبه ما استطاع أن يحمله» لفظ الترمذي وقال: هذا حديث حسن وقد روى من غير وجه عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولفظ ابن ماجة والحاكم: «يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فتسع فتنعم أمتي فيه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتى الأرض أكلها ولا يدخر منه شيء والمال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول: يا مهدي أعطني فيقول خذ» انتهى وزيد العمي وإن قال فيه الدارقطني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين إنه صالح وزاد أحمد إنه فوق يزيد الرقاش وفضل بن عيسى إلا أنه قال فيه أبو حاتم: ضعيف يكتب حديثه ولا يحتج به وقال يحيى بن معين في رواية أخرى: لا شيء وقال مرة يكتب حديثه وهو ضعيف وقال الجرجاني: متماسك وقال أبو زرعة ليس بقوي واهي الحديث ضعيفا وقال أبو حاتم ليس بذاك وقد حدث عنه شعبة وقال النسائي: ضعيف وقال ابن عدي: عامة ما يرويه ومن يروى عنهم ضعفاء على أن شعبة قد روى عنه ولعل شعبة لم يرو عن أضعف منه.
وقد يقال إن حديث الترمذي وقع تفسيرا لما رواه مسلم في صحيحه من حديث جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثوا لا يعده عدا» ومن حديث أبي سعيد قال: «من خلفائكم خليفة يحثو المال حثوا» ومن طريق أخرى عنهما قال: «يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده» انتهى.
وأحاديث مسلم يقع فيها ذكر المهدي ولا دليل يقوم على أنه المراد منها ورواة الحاكم أيضا من طريق عوف الأعرابي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض جورا وظلما وعدوانا ثم يخرج من أهل بيتي رجل يملأها قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وعدوانا» وقال فيه الحاكم: هذا صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه الحاكم أيضا عن طريق سليمان بن عبيد عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج في آخر أمتي المهدي يسقيه الله الغيث وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا وتكثر الماشية وتعظم الأمة يعيش سبعا أو ثمانيا» يعني حججا وقال فيه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه مع أن سليمان بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان في الثقات ولم يرد أن أحدا تكلم فيه ثم رواه الحاكم أيضا من طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن مطر الوراق وأبي هارون العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تملأ الأرض جورا وظلما فيخرج رجل من عترتي فيملك سبعا أو تسعا فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما» وقال الحاكم فيه: هذا حديث صحيح على شرط مسلم لأنه أخرج عن حماد بن سلمة وعن شيخه مطر الوراق وأما شيخه الآخر وهو أبو هارون العبدي فلم يخرج له وهو ضعيف جدا متهم بالكذب ولا حاجة إلى بسط أقوال الأئمة في تضعيفه وأما الراوي له عن حماد بن سلمة فهو أسد بن موسى يلقب أسد السنة وإن قال البخاري: مشهور الحديث واستشهد به في صحيحه واحتج به أبو داود والنسائي إلا إنه قال مرة أخرى: ثقة لو لم يصنف كان خيرا له وقال فيه محمد بن حزم: منكر الحديث ورواه الطبراني في معجمه الأوسط من رواية أبي الواصل عبد الحميد بن واصل عن أبي الصديق الناجي عن الحسن بن يزيد السعدي أحد بني بهذلة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عز وجل له القطر من السماء وتخرج الأرض بركتها وتملأ الأرض منه قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل على بيت المقدس» وقال الطبراني: فيه رواة جماعة عن أبي الصديق ولم يدخل أحد منهم بينه وبين أبي سعيد أحدا إلا أبا الواصل فإنه رواه عن الحسن بن يزيد عن أبي سعيد انتهى وهذا الحسن بن يزيد ذكره ابن أبي حاتم ولم يعرفه بأكثر مما في هذا الإسناد من روايته عن أبي سعيد ورواية أبي الصديق عنه وقال الذهبي في الميزان: إنه مجهول لكن ذكره ابن حبان في الثقات وأما أبو الواصل الذي رواه عن أبي الصديق فلم يخرج له أحد من الستة وذكره ابن حبان في الثقات في الطبقة الثانية وقال فيه: يروى عن أنس روى عنه شعبة وعتاب بن بشر وخرج ابن ماجة في كتاب السنن عن عبد الله بن مسعود من طريق يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال «بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذرفت عيناه وتغير لونه قال فقلت ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه فقال: إنا أهل البيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الخبر فلا يعطونه فيقاتلون وينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطا كما ملأوها جورا فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبوا على الثلج» انتهى.
وهذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايات ويزيد بن أبي زياد راويه قال فيه شعبة: كان رفاعا يعني يرفع الأحاديث التي لا تعرف مرفوعة وقال محمد بن الفضيل: من كبار أئمة الشيعة وقال أحمد بن حنبل: لم يكن بالحافظ وقال مرة: حديثة ليس بذلك وقال يحيى بن معين: ضعيف وقال العجلي: جائز الحديث وكان بآخره يلقن وقال أبو زرعة: لين يكتب حديثه ولا يحتج به وقال أبو حاتم: ليس بالقوي وقال الجرجاني: سمعتهم يضعفون حديثه وقال أبو داود: لا أعلم أحدا ترك حديثه وغيره أحب إلي منه وقال ابن عدي هو من شيعة أهل الكوفة ومع ضعفه يكتب حديثه وروى له مسلم لكن مقرونا بغيره وبالجملة فالأكثرون على ضعفه وقد صرح الأئمة بتضعيف هذا الحديث الذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله وهو حديث الرايات وقال وكيع بن الجراح فيه: ليس بشيء وكذلك قال أحمد بن حنبل وقال أبو قدامة سمعت أبا أسامة يقول في حديث يزيد عن إبراهيم في الرايات لو حلف عندي خمسين يمينا أسامة ما صدقته أهذا مذهب إبراهيم؟ أهذا مذهب علقمة؟ أهذا مذهب عبد الله؟ وأورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء وقال الذهبي ليس بصحيح وخرج ابن ماجة عن علي رضي الله عنه من رواية ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المهدي منا أهل البيت يصلح الله به في ليلة».
وياسين العجلي وإن قال فيه ابن معين ليس به بأس فقد قال البخاري فيه نظر وهذه اللفظة من اصطلاحه قوية في التضعيف جدا وأورد له ابن عدي في الكامل والذهبي في الميزان هذا الحديث على وجه الاستنكار له وقال هو معروف به وخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن علي رضي الله عنه «أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ فقال: بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشرك وبنا يؤلف الله قلوبهم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك قال علي أمؤمنون أم كافرون؟ قال: مفتون وكافر» انتهى.
وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال وفيه عمر بن جابر والحضرمي وهو أضعف منه قال أحمد بن حنبل: روي عن جابر مناكيز وبلغني أنه كان يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال كان ابن لهيعة شيخا أحمق ضعيف العقل وكان يقول: علي في السحاب وكان يجلس معنا فيبصر سحابة فيقول هذا علي قد مر في السحاب وخرج الطبراني عن علي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في آخر الزمان فتنة يحصل الناس فيها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبوا أشرارهم فإن فيهم الأبدال يوشك أن يرسل على أهل الشام صيب من السماء فيفرق جماعتهم حتى لو قاتلتهم الثعالب غلبتهم فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلاث رايات المكثر يقول بهم خمسة عشر ألفا والمقل يقول بهم اثنا عشر ألفا وأمارتهم امت امت يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعا ويرد الله إلى المسلمين إلفتهم ونعمتهم وقاصيتهم ورأيهم».
وفيه عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف معروف الحال ورواه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه في روايته ثم يظهر الهاشمي فيرد الله الناس إلى إلفتهم الخ وليس في طريقه ابن لهيعة وهو إسناد صحيح كما ذكر.
وخرج الحاكم في المستدرك عن علي رضي الله عنه من رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال: كنا عند علي رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال له: هيهات ثم عقد بيده سبعا فقال ذلك يخرج في آخر الزمان إذا قال الرجل الله الله قتل ويجمع الله له قوما قزعا كقزع السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فلا يستوحشون إلى أحد ولا يفرحون بأحد دخل فيهم عدتهم على عدة أهل بدر لم يسبقهم الأولون ولا يدركهم الآخرون وعلى عدد أصحاب طالوت الذين جاوزوا معه النهر قال أبو الطفيل قال ابن الحنفية: أتريده؟ قلت: نعم قال: فإنه يخرج من بين هذين الأخشبين قلت لا جرم والله ولا أدعها حتى أموت ومات بها يعني مكة قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.
وإنما هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمارا الذهبي ويونس بن أبي إسحاق ولم يخرج لهما البخاري وفيه عمرو بن محمد العبقري ولم يخرج له البخاري احتجاجا بل استشهادا مع ما ينضم إلى ذلك من تشيع عمار الذهبي وهو وإن وثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم النسائي وغيرهم فقد قال علي بن المدني عن سفيان أن بشر بن مروان قطع عرقوبيه قلت في أي شيء؟ قال: في التشيع وخرج ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في رواية سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبد الله عن أنس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «نحن ولد عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي». انتهى.
وعكرمة بن عمار وإن أخرج له مسلم فإنما أخرج له متابعة وقد ضعفه بعض ووثقه آخرون وقال أبو حاتم الرازي: هو مدلس فلا يقبل إلى أن يصرح بالسماع علي بن زياد قال الذهبي في الميزان: لا ندري من هو ثم قال الصواب فيه: عبد الله بن زياد وسعد بن عبد الحميد وإن وثقه يعقوب بن أبي شيبة وقال فيه يحيى بن معين ليس به بأس فقد تكلم فيه الثوري قالوا لأنه رآه يفتي في مسائل ويخطئ فيها وقال ابن حبان: كان ممن فحش عطاؤه فلا يحتج فيه وقال أحمد بن حنبل: سعيد بن عبد الحميد يدعي أنه سمع عرض كتب مالك والناس ينكرون عليه ذلك وهو ههنا ببغداد لم يحتج فكيف سمعها؟ وجعله الذهبي ممن لم يقدح فيه كلام من تكلم فيه وخرج الحاكم في مستدركه من رواية مجاهد عن ابن عباس موقوفا عليه قال مجاهد قال لي ابن عباس: لو لم أسمع أنك مثل أهل البيت ما حدثتك بهذا الحديث قال فقال مجاهد: فإنه في ستر لا أذكره لمن يكره قال فقال ابن عباس: منا أهل البيت أربعة منا السفاح ومنا المنذر ومنا المنصور ومنا المهدي قال فقال مجاهد: بين لي هؤلاء الأربعة فقال ابن عباس: أما السفاح فربما قتل أنصاره وعفا عن عدوه وأما المنذر أراه قال فإنه يعطي المال الكثير ولا يتعاظم في نفسه ويمسك القليل من حقه وأما المنصور فإنه يعطى النصر على عدوه الشطر مما كان يعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرهب منه عدوه على مسيرة شهرين والمنصور يرهب منه عدوه على مسيرة شهر وأما المهدي الذي يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا وتأمن البهائم السباع وتلقي الأرض أفلاذ كبدها قال: قلت وما أفلاذ كبدها؟ قال: أمثال الاسطوانة من الذهب والفضة وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وهو من رواية إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه وإسماعيل ضعيف وإبراهيم أبوه وإن خرج له مسلم فالأكثرون على تضعيفه وخرج ابن ماجة عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقتتل عند كبركم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونهم قتلا لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا لا أحفظه قال: فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبوا على الثلج فإنه خليفة الله المهدي».
ورجاله رجال الصحيحين إلا أن فيه أبا قلابة الجرمي وذكر الذهبي وغيره أنه مدلس وفيه سفيان الثوري وهو مشهور بالتدليس وكل واحد منهما عنعن ولم يصرح بالسماع فلا يقبل وفبه عبد الرزاق بن همام وكان مشهورا بالتشيع وعمي في آخر وقته فخلط قال ابن عدي: حدث بأحاديث في الفضائل لم يوافقه عليها أحد ونسبوه إلى التشيع انتهى وخرج ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزيدي من طريق ابن لهيعة عن أبي زرعة عن عمر بن جابر الحضرمي عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي» يعني سلطانه قال الطبراني: تفرد به ابن لهيعة وقد تقدم لنا في حديث علي الذي خرجه الطبراني في معجمه الأوسط أن ابن لهيعة ضعيف وأن شيخه عمر بن جابر أضعف منه وخرج البزاز في مسنده والطبراني في معجمه الأوسط واللفظ للطبراني عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يكون في أمتي المهدي إن قصر فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعموا بمثلها ترسل السماء عليهم مدرارا ولا تدخر الأرض شيئا من النبات والمال كدوس يقوم الرجل يقول يا مهدي أعطني فيقول خذ».
قال الطبراني والبزار تفرد به محمد بن مروان العجلي زاد البزار: ولا نعلم أنه تابعه عليه أحد وهو وإن وثقه أبو داود وابن حبان أيضا بما ذكره في الثقات وقال فيه يحيى بن معين صالح وقال مرة ليس به بأس فقد اختلفوا فيه وقال أبو زرعة: ليس عندي بذلك وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: رأيت محمد بن مروان العجلي حدث بأحاديث وأنا شاهد لم نكتبها تركتها على عمد وكتب بعض أصحابنا عنه كأنه ضعفه وخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي هريرة وقال: حدثني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق قال قلت وكم يملك؟ قال: خمسا واثنتين قال قلت وما خمسا واثنتين قال لا أدري».
وهذا السند غير محتج به وإن قال فيه بشير بن نهيك وقال فيه أبو حاتم لا يحتج به فقلت احتج به الشيخان ووثقه الناس ولم يلتفتوا إلى قول أبي حاتم لا يحتج به إلا أنه قال فيه رجاء ابن أبي رجاء اليشكري وهو مختلف فيه قال أبو زرعة ثقة وقال يحيى بن معين: ضعيف وقال أبو داود: ضعيف وقال مرة صالح وعلق له البخاري في صحيحه حديثا واحدا وخرج أبو بكر البراز في مسنده والطبراني في معجمه الكبير والأوسط عن قرة بن إياس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتملأن الأرض جورا وظلما فإذا ملئت جورا وظلما بعث الله رجلا من أمتي اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملاها عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما فلا تمنع السماء من قطرها شيئا ولا تدخر الأرض من نباتها يلبث فيكم سبعا أو ثمانيا أو تسعا» يعنى سنين. ا هـ.
وفيه داود بن المحبي بن المحرم عن أبيه وهما ضعيفان جدا.
وخرج الطبراني في معجمه الأوسط عن ابن عمر قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المهاجرين والأنصار وعلي بن أبي طالب عن يساره والعباس عن يمينه إذ تلاحى العباس ورجل من الأنصار فأغلظ الأنصاري للعباس فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد العباس وبيد علي وقال: سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض جورا وظلما وسيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطا وعدلا فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي» انتهى وفيه عبد الله بن عمر وعبد الله بن لهيعة وهما ضعيفان.